أرشيف المدونة الإلكترونية

26‏/11‏/2011

الموضوع الخامس

(الأحد 27-11-2011)

طرق دراسة الفرد ( القياس السيكولوجى )

3-1 مقدمة

فى الغالب يحكم على الأفراد فى الحياة اليومية عن طريق سلوكهم فى مواقف خاصة ، أو بما يستطيع عالم النفس أن يعرفه عن طريق دراسة تحليلية لتاريخهم، وذلك  عن طريق ما يقوله الغير عنهم ، بل قد يمكن  الحكم مبدئيا على الفرد من شكله الظاهر، أو من ملامحه وحركاته وتعبيرات وجهه وهندامه. وفى الغالب ما تكون مثل هذه الأحكام ذاتية تميل مع الهوى وتتأثر بالانطباع الوقتى وعوامل وجدانية أخرى تخرجها عن دائرة الأحكام العلمية الموضوعية .

 

كما أن مثل هذه الأحكام الذاتية على الأكثر احتمالا تكون مبهمة ومجردة لا تجعلها صالحة لأى تقدير دقيق ، كما يقال مثلا إن عمل الميكانيكى يتطلب المهارة اليدوية والقدرة على الحكم والتركيز والتخطيط. مع العلم أن هذه القدرات يمكن أن يتطلبها عمل آخر كالمعلم أو الكاتب. ومن ناحية أخرى  لا يمكن الاعتماد على الشهادات الدراسية فى أغلب الأحوال فى عمليات المواءمة المهنية ، نظرا لأن معظم هذه الامتحانات وما فى مستواها لا تزال مقاييس ذاتية إلى حد كبير .

فقد يحتمل أن هناك فرد حسن الاستعداد جاء ترتيبه متأخرا لتكاسله أو مرضه أو نفورة من بعض المواد ، وآخر ضعيف الاستعداد جاء فى ترتيب جيد لأنه مثابر أو منتظم فى تحصيله. فالقدرات الحالية ليست كلها سواء من حيث دلالتها على الاستعدادات. هذا إلى تتطلبه بعض المهن من قدرات حركية ومهارات اجتماعية لا تستطيع معظم الامتحانات إبرازها وتقييمها سواء بالقبول أو الرفض المبنى على تحليل منطقى.

ويوجد فى السنوات الأخيرة نتيجة لتطور علم النفس الصناعى، مقاييس يوثق بها إلى حد كبير أو إلى حد معقول لقياس الذكاء والقدرات الميكانيكية والحركية والعقلية، كما توجد أيضا مقاييس لقياس الاستعداد الموسيقى والقدرة على الابتكار وتذوق الأدب والشعر وصلاحية الفرد للقيادة وتقدير بعض سمات الشخصية ومن أكثر الطرق شيوعا ما يلى :

3-2 طريقة المقابلة

وهى طريقة الاختبار الشخصى. وهى نوع من المحادثة لأخذ فكرة عامة أو خاصة عن بعض نواحى شخصية الفرد ، وعن نواحى الضعف أو القوة البارزة فيها، كما تساهم فى الكشف عن بعض الصفات المهمة والتى يراد الكشف عنها.

والمقابلة طريقة معروفة لاختيار أحد الأفراد من بين عدد من المتقدمين والمرشحين للوظائف فى كثير من المهن والأعمال فى ميادين العمل المختلفة (التجارة ، الصناعة ، التدريس، والطب ، ....الخ ).

وقد اجريت تجارب كثيرة لمعرفة قيمة المقابلة فى التنبؤ بنجاح الفرد فى عملة . فكاد يجمع الباحثون على ضآلة قيمتها فى هذه الناحية، فى حين كان التنبؤ عن طريق اختبارات الذكاء معقولا إلى حد كبير.

3-2-1 فوائد المقابلة

ومع هذه العيوب اللاحقة ، إلا أنها أداة لابد منها لاستخدامها فى كثير من الأحوال لتميزها ببعض النقاط مثل:

1 - فهى وسيلة ضرورية للتأليف بين المعلومات التى تجمع عن الشخص المفحوص من مصادر مختلفة ( كالتقارير التى تكتب عنه - من طلب الاستخدام الذى يقدمه - من الاختبارات التى تجرى عليه  -  من المعلومات التى تجمع عنه)، كما أنها ضرورية للحكم على الفرد فى جملته ، فلابد إذن من مواجهة الفرد ككل خوفا من أن تشغل هذه التفاصيل القائم بالمقابلة عن رؤية الوصف العام له، والوصول إلى صورة منطقية فى وقت مناسب.

2 - تعين طريقة المقابلة على التحقيق من صحة المعلومات أو الإجابات التى يشك فيها الفرد القائم بالمقابلة والتى يكون قد حصل عليها من إجراء امتحان تحريرى على الفرد أو تقديم استفتاء إليه .

3 - يضاف إلى ذلك أن الاختبارات الشخصية لا تزال فى المرحلة الأولى من نشأتها ولا تزال عاجزة عن قياس كثير من السمات كالقدرة على التعامل مع الغير أو التعاون .

3-2-2 الظروف النفسية للمقابلــة

لنجاح عملية اتخاذ القرار بشأن الاختيار ، يجب تهذيب المقابلة، ويتم ذلك بعدة طرق ووسائل مختلفة منها :

1. ظروف إجراء المقابلة ونوع الأسئلة التى تلقى فيها وشكل هذه الأسئلة وطريقة إلقائها حتى يفهمها الجميع على حد سواء، ليضمن بذلك عدالة وحيدة العملية الاختيارية. وكذلك بتوحيد أسئلة المقابلة، وكذلك ترتيبها ترتيبا خاصا بحيث تبدأ بأسئلة تمهيدية عامة لا تمس شخص الفرد ثم تتدرج إلى غيرها. هذا إلى تحديد السمات اللازمة للنجاح فى العمل بحيث تكون واضحة محددة مفصلة إلى عناصر مختلفة، لا أن تكون سمات مبهمة يفهمها كل حكم على طريقته الخاصة، ومن بعض هذه السمات ما يمكن أن يصنف كالأتى:

 سعة الحيلة ، ضيق الصدر ، اعتدال المزاج ، سرعة البديهة ، رباطة الجأش . من أجل ذلك تستطلع الأسئلة وتوزع على الحكام (القائمين بالاختيار/الاختبار) ، ويجب علية أن يضعها فى الاعتبار، ولا يسرف فى الحيود عنها كلما أمكن ذلك.

2. تدريب الحكام بإشراف أخصائيين، فمن المعروف أن المقابلة فن رفيع يتطلب من الحكم قدرا كبيرا من الإستبصار والموضوعية والذكاء وطول الخبرة - فالحكم الماهر هو الذى سرعان ما يقيم بينه وبين الفرد المختبر نوع من الوئام والتجاوب، فما يلبث أن يكسب ثقته،  وأن يتعرف على مواقف الحرج أو التكلف أو التأزم عنده.  فالفرد القائم بالاختبار (الحكم) الذى لا يفطن إلى وجود سمات معينة فى نفسه، كالتحيز أو العدوان والأنانية ، لا يستطيع فى العادة تقدير هذه السمات فى غيره، إذ غالبا ما يكون تقديره غير سليم فى معظم الأحوال ، وبذلك بفقد الاختبار معناه العلمى الصحيح.

3. استعانة الحكم بالوسائل الإحصائية والرياضية، وغالبا ما تكون فى صورة بيانية واضحة وذلك للمقارنة، وذلك لتحديد مدى وجود السمة لدى المفحوص.

4. تعدد الحكام الذى يشتركون فى المقابلة، وتحديد متوسط الآراء فى حالة وجود اختلافات كبيرة نتيجة لاختلاف طبيعة الأفراد القائمين بالاختيار.

3-2-3 المقابلة فى ميدان الصناعة

تعتبر المقابلة وسيلة فعالة من وسائل تقدير ورفع الروح المعنوية للأفراد العاملين فى الشركات والمصانع ، كما أنها تساهم فى الكشف عن العوامل التى تؤدى إلى انخفاض الروح المعنوية . كذلك تستخدم المقابلة فى التوجيه النفسى أو العلاج النفسى للأفراد والموظفين المشكلين ، والذين يعرفون بالمكابرة والشغب والعدوان . هنا تفيد المقابلة فى الكشف عن بعض السمات الشخصية وتعين الفرد تحت الفحص على البوح والإفاضة عما فى نفسه، مما يساعده على معرفة وإزالة مصادر متاعبه ويعينه على حل مشاكله فى العمل، لذا يحسن أن تكون المقابلة فى هذه الحالة من النوع الحر الطليق الذى لا يتقيد بأسئلة معينة، بل يترك المجال حرا للفرد تحت الفحص ، بأن يتكلم كما يشاء وفى حدود الموضوع قيد المقابلة. وعلى هذا تكون المقابلات على أنواع ثلاثة تشخيصيه واستطلاعية وعلاجيــــة.

3-3 الاستخبار أو الاستبيان

وهى عبارة عن قائمة من الأسئلة تعطى إلى الفرد تحت الفحص، لكى يجيب عنها وذلك بكتابة " نعم " أو " لا "  وأساس الاستخبار غالبا ما يقوم به الفرد من تحليل ذاتى لأحواله النفسية الشعورية . والاستخبار أداة مفيدة فى التشخيص ، ويتحتم أن تكون الأسئلة واضحة ومفصلة، وحتى يتمكن الفرد المفحوص بصدق وأمانة فى الإجابة عنها بطريقة جيدة . ومن مميزات الاستخبار أنه من خلاله يمكن مقارنة الأفراد بعضهم ببعض على أساس التقدير الكمى للسمات المقاسة.

والاستخبارات على أنواع عدة : فمنها ما يحاول الكشف عن المعتقدات أو الآراء، ومنها ما يحاول الكشف عن الميول أو عن سمات اجتماعية وخلقية معينة، أو عن الاتجاهات النفسية حيال الدين أو السياسة أو التجنيد الإجبارى أو تحديد النسل وخلافه. ومن الاستخبارات المعروفة استخبار "وودورث" للكشف عن النزعات العصابية. فقد جمع هذا العالم طائفة من أعراض الأمراض النفسية وجعلها فى صورة أسئلة يجيب عليها الفرد نفسه أو أحد من يعرفونه جيدا, ومن الأسئلة التى وردت ما يلى:

        - هل كنت تحب اللعب وأنت طفل ؟                   نعم     لا

        - هل تشعر أن الحياة عبء لا يحتمل ؟                نعم     لا

        - هل يصعب عليك التخلص من البائع ؟               نعم     لا

        - هل تخاف السقوط إن كنت تطل من مكان مرتفع    ؟نعم     لا

        - هل يجرح الناس شعورك بسهولة ؟                  نعم     لا

        - هل يصعب عليك أن تضحك ؟                       نعم     لا

3-3-1 الاستخبارات فى الصناعة

أكثر الاستخبارات انتشارا فى المجال الصناعى، هى استخبارات المشكلات الانفعالية والانطواء أو الانبساط وذلك لسهولة تطبيقها على الأفراد العاملين. وبما أن التوافق النفسى الاجتماعى سمة لازمة جدا للتعاون والروح المعنوية ، لذا كانت هذه الاستخبارات على جانب كبير من الأهمية وذلك للأسباب الآتية :

1- الكشف وتحديد الأفراد العاملين والذين يعانون من اضطرابات نفسية تعوقهم عن التوافق مع زملائهم.

2- الاستخبار وسيلة لتقدير الروح المعنوية للأفراد العاملين، بأن ترسل الشركة/المصنع قائمة من الأسئلة إليهم بالبريد لكى يجيبوا عليها دون ضرورة ملحة (عجلة) فى الرد ودون ذكر الأسماء لإعفاء الشخص من الحرج ولكى يجيب عليها بصراحة مطلقة، لضمان إجابة الفرد بطريقة صريحة ومنطقية دون الخوف من نتائج إجاباته.

3- الاستخبار يساعد على الكشف عن الميول المهنية الحقيقية لا الميول العارضة أو المزعومة أو المفروضة.

3-4 استخبارات الميول المهنية

لقد أعرض الباحثون النفسيون فى الوقت الراهن عن الطرق القديمة فى إجراء الاستخبار، والتى تتلخص فى سؤال الفرد عن طبيعة رغبته وحاجته إلى مهنة أو دراسة معينة، فأن أغلب الأفراد ليس لديهم معرفة بدرجة كافية ، أو لديهم معلومات مشوهة وغير دقيقة عما تتطلبه بعض المهن من قدرات وسمات شخصية محددة.

بجانب هذا هناك مهن لها صفة الجاذبية، أحاطتها الصحف أو السينما أو وسائل الإعلام المتعددة بالإضافة إلى مجموعة من الدراسات الإحصائية، بهالة من الشهرة أو السهولة تختلف عما هى عليه فى الواقع، كمهنة الهندسة والتمثيل والطب . لذا لجأ الباحثون النفسيون إلى طرق أخرى أقرب إلى الصدق فى الكشف عن الميول الحقيقية للأفراد، منها اختبار مدى معلومات الفرد عن موضوع محدد، حيث أنه من المنطقى أن يميل الفرد إلى الشىء الذى يعرف عنه الكثير جملا وتفصيلا. ومن أهم الاستخبارات المقننة والشائعة ما يلى :

3-4-1 صفحة الميول المهنية لسترونج

وهى من أكثر الاستخبارات وأدقها شيوعا. ويستعان بها فى عملية التوجيه المهنية للكبار. والأساس السيكولوجى لهذا الأستخبار هو، أن الناجحين فى مهنة أو دراسة معينة تتشابه ميولهم عامة، بينما تختلف عن ميول الناجحين فى مهنة أو دراسات أخرى. فالأستخبار يستهدف فى العادة قياس درجة اتفاق ميول الفرد المفحوص مع ميول الأفراد الناجحين فى مهنة معينة.، كما أنه يوضح درجة ميل الفرد المهنى بمقارنة أجاباته بأجابات الناجحين فى هذه المهنة.

ويتألف هذا الأستخبار من 400 سؤال تمثل أوجه النشاط فى مجموعة كبيرة ومتنوعة المدى من المهن، ومواد الدراسة ، والألعاب الرياضية ، وأوجه كثيرة من النشاط العقلى. وعلى الفرد تحت الفحص أن يشير أمام كل سؤال بثلاثة احتمالات، أولهما بما إذا كان يحب هذا النشاط وثانيهما إذا كان يكرهه، وأخيرا إن كان  لا يهتم به.

وللاستخبار صورتان واحدة للرجال وأخرى للنساء. والزمن المتوسط اللازم للإجابة عنه هو 40 دقيقة تقريبا ثم تصنف الأجوبة على أساس تشابهها مع ميول الرجال والنساء الناجحين فى أعمالهم .

3-5 الاختبارات السيكولوجية

الاختبار هو امتحان مقنن يتكون من مشكلة يطلب من الفرد تحت الفحص حلها ، أو عمل يقوم به ، أو أسئلة يجيب عنها. ويختلف الاختبار عن الأستخبار فى أنه يكلف المفحوص عادة القيام بعمل، ثم تقدر النتيجة على أساس مقدار ما أنجزه أو درجة صعوبته ، أو ما استغرق من وقت فى أدائه.أما فى الأستخبار فلا يكون هناك اتصال شخصى بين الفاحص والفرد تحت الفحص ، ومن هنا يزداد احتمال سوء فهم المفحوص للأسئلة فى الأستخبار.

كما أن الاختبار أفضل وأسهل فى الاستحواذ على اهتمام الفرد تحت الفحص، ويعزز فرصه التعاون والتآلف بينهما وتعاونه فى الاختبار، بخلاف ما يتم فى الأستخبار من عزلة نفسية بين الأطراف قد لا تذيبها الأسئلة والإجابات ،  هذا إلى جانب أن الفرد تحت الفحص فى الأستخبار يستطيع أن يلجأ إلى الخداع فى الإجابة بدرجة أكبر منها فى الاختبار (المباشر). ويمكن تصنيف الاختبارات إلى أنواع عدة على النحو الأتى :

3-5-1 من حيث موضوعها وتنقسم إلى أختبارات :

        - ذكاء.       

        - شخصية لقياس السماتالأجتماعية والخلقية.

        - أ ستعداد.   

        - تحصيل

3-5-2 من حيث طريقة أدائها وتنقسم إلى :

   1-  اختبارات لفظية : الاختبار اللفظى  من الطبيعى أن تتطلب الإجابة عنه، استخدام اللغة المنطوقة أو المكتوبة كبعض اختبارات الذكاء والشخصية والاستعدادات والتحصيل .

2- اختبارات عملية

وفيها تكون الإجابة بالرسم أو القيام بعمل حركى كبعض اختبارات الذكاء وأغلب اختبارات الاستعداد والتحصيل هى اختبارات عملية. فهى اختبارات يطلب من المفحوص فيها أن يعمل شيئا مثل أن يبنى برجا من عدة مكعبات من خشب، أو أن يؤلف صورة لمنظر معين من أجزاءه المبعثرة.

3-5-3 من حيث طريقة أجرائها فردية أم جماعية

الاختبار الفردى يجرى على كل فرد على حدة، فى حين أن الاختبارات الجماعية تجرى على مجموعة من الأفراد فى وقت واحد سواء فى نفس المكان والزمان أو فى غير ذلك طبقا لظروف الامتحان ، كاختبارات الجيش لتقدير مستوى الذكاء لدى المتقدمين إليه.

3-5-4 من حيث مادتها

وتنقسم إلى نوعين اختبارات لا يتطلب إجرائها إلا ورقا وقلما ، والثانية تتطلب أدوات وأجهزة قد تكون بسيطة أو معقدة.

3-5-5 من حيث تكوينها (تحليلية أو إجمالية)

الاختبارات التحليلية هى التى تقيس القدرات والسمات التى يتطلبها أداء عمل معين كل واحد على حدة ، بعد تحليل هذا العمل سيكولوجيا، أما الاختبارات الإجمالية فهى تقيس مدى صلاحية الفرد لعمل من الأعمال بتكلفة أداء هذا العمل.

3-6 اختبارات الذكاء فى الصناعة

يوجد مجموعات متنوعة من اختبارات الذكاء فى ميادين الصناعة المختلفة، منها اختبارات الذكاء الفردية والجماعية والعملية، وأخرى يجريها المفحوص بنفسه على نفسه ، وبعضها أكثر صلاحية لبعض المهن من بعض. ومن الجدير بالذكر أن الذكاء ضرورى للنجاح فى جميع الأعمال التى تتطلب القدرة على الحكم السليم وفهم العلاقات الدقيقة المعقدة، وإعطاء القرار المناسب لكل حالة ولكل المستويات، فالمعلم يحتاج فى الواقع إلى قدر كبير من الذكاء أكبر بكثير مما يتسم به بعض المهن الآخرى، فى حين أن بعض الأعمال الروتينية البسيطة كتوزيع البريد ، ليس من الضرورى احتياجها إلى مستوى ذكاء مرتفع، وهذا بالطبع لا ينفى قدرة كل صاحب مهنة مهما أرتفع أو أنخفض رصيدها الاجتماعى من وصفه بالذكاء فى نواحى كثيرة.

واختبارات الذكاء ترمى فى المقام الأول إلى إعطاء فكرة عامة عن المستوى العقلى للفرد تحت الفحص، فهى تقيس فى الواقع قدرات عقلية، غير أنها تختلف عن اختبارات القدرات العقلية الخاصة من ناحيتين: حيث أنها تقيس عدد أكبر من هذه القدرات وهذه القدرات التى تقيسها بالفعل قدرات لازمة لنجاح المهنة محل البحث.

وتتألف اختبارات الذكاء من أسئلة لقياس القدرات اللغوية والعددية والقدرة على التذكر وعلى الاستقراء والتصور البعدى. ولمعرفة صلاحية اختبار الذكاء لعمل صناعى معين يجب تطبيقه على جماعة من العمال أو الموظفين لمعرفة ما إذا كان يميز حقا بين الأذكياء والأغبياء منهم. أى يجب اختبار الاختبار قبل تطبيقه.

وتستخدم اختبارات الذكاء لتصفية العمال والموظفين المتقدمين لشغل وظيفة معينة, وكذلك لتصنيفهم تصنيفا مبدئيا. أما فى التوجيه والاختيار فيجب أن تطبق اختبارات استعدادات خاصة.

3-6-1 صلة الذكاء بالميدان المهنى

لقد أختلف الباحثين على تحديد مفهوم الذكاء من ناحية، واختلاف اختبارات الذكاء التى تطبق من حيث مادتها ونوعها وشكلها من ناحية أخرى. ولذلك كان لابد من عمل ترابط بين ما تتطلبه المهنة من مستوى ذكاء معين وبين مستوى ذكاء الفرد المطلوب واستعداداته وسماته الشخصية. ولهذا كانت صلة الذكاء بالميدان المهنى صلة وثيقة وأكيدة. والنتائج التالية توضح ذلك:

1- النجاح فى بعض الكليات يتطلب مستوى من الذكاء أعلى منه للنجاح فى كليات أخرى. فالدراسة فى كليتى الطب والهندسة مثلا تقتضى قدرا أكبر من الذكاء اللازم للنجاح فى كليتى التجارة والآداب.

2- الارتباط الوثيق بين الذكاء وبين حسن اختيار المهنة. فالفرد الذكى أقدر على فهم نفسه والحكم على قدراته وميوله وما تتطلبه المهن المختلفة من قدرات وسمات, ومستوى طموحه عادة ما يكون أقرب إلى الواقع.

3- الذكاء وحده لا يكفى للنجاح فى كثير من المهن إن لم يقترن بقدرات واستعدادات خاصة وسمات خلقية معينة. فهناك مهن وأعمال مختلفة يتطلب النجاح فيها إلى مستويات مختلفة من الذكاء. فمهنة التصميم والتخطيط والابتكار والحكم (عمل دون إشراف دقيق على من يقومون بها) تتطلب قدرا كبيرا من الذكاء عنه فى مهن أخرى يتطلب النجاح فيها إلى  قدرات واستعدادات خاصة أكبر مما تتطلبه من الذكاء، كما فى الأعمال الميكانيكية أو الحركية أو إجادة العزف أو الغناء أو الرقص. ومن هنا تكون اختبارات الذكاء محدودة الفائدة فى التنبؤ بالنجاح المهنى.

4- هناك صلة بين ذكاء الفرد وترقيه فى وظيفته، فالأفراد ذو الذكاء المنخفض يميلون إلى البقاء فى مناصبهم فى حين يرقى الأذكياء إلى مناصب أعلى.

ومن هذه النتائج نرى أن اختبارات الذكاء ذات قيمة كبيرة فى كثير من النواحى المهنية والصناعية، وهذا مما يشجع علماء النفس على الاستمرار فى تحسين هذه الاختبارات وجعلها أكثر صلاحية لقياس الذكاء من الاختبارات التقليدية فى مطلع حركة القياس العقلى.

3-7 اختبارات الاستعدادات المهنية

وهى تعنى فى المقام الأول بقياس استعداد الفرد لعمل معين قبل التدريب عليه، أى التنبؤ بمدى نجاحه فى عمل لم يتدرب عليه من قبل. وتهتم معظم المصانع والشركات باختبارات الاستعدادات والتى تقوم بتدريب أفرادها العاملين فى مجال التصنيع ، وموظفيها  العاملين فى المجال الإدارى، كى لا تنفق كثير من المال والجهد على تدريب أفراد غير مؤهلين ومستعدين أساسا لهذه المهن/الوظائف.

يضاف إلى ذلك أن نجاح المصنع أو الشركة فى المستقبل مرهون باستعدادات صغار الأفراد العاملين والموظفين فيها والمبتدئين منهم خاصاً، لذلك يجب اختبار هؤلاء لا على أساس قدراتهم الحالية فحسب ، بل وعلى أساس استعدادهم للنمو فى المستقبل .

وهناك نوعان من اختبارات الاستعدادات، الأول وهو اختبارات الاستعدادات العامة كاختبار الاستعداد الطبى الذى يستهدف التنبؤ بنجاح الفرد فى مهنة الطب على اختلاف فروعها وتخصصاتها ، والثانى هو اختبار الاستعداد الميكانيكى الذى يستهدف التنبؤ بنجاح الفرد فى الأعمال الميكانيكية بوجه عام على اختلاف أنواعها . ومن أهم القدرات التى يهمنا قياسها بوجه خاص فى الميدان الصناعى للكشف عن الاستعدادات هى : القدرة اللغوية والحسابية - القدرة الميكانيكية.

1- القدرة اللغوية :

هى القدرة على معالجة الأفكار والمعانى عن طريق استخدام الألفاظ. وتبدو القدرة اللغوية فى عدة مظاهر منها :

- سهولة فهم الألفاظ والجمل والأفكار المتصلة بها.

- إدراك ما بين الألفاظ أو ما بين الجمل من علاقات مختلفة ، علاقات تشابه أو تضاد مثلا.

- سهولة التعبير التحريرى والشفوى.

- استرجاع أكبر عدد من الألفاظ فى سرعة وسهولة.

وتقاس القدرة اللغوية بواسطة الاختبارات التالية:

(1) ما أقرب كلمة من الكلمات الآتية تفيد معنى كلمة "صريع" :

        شعب - مكشوف - مندفع - جرئ .

(2) ضع علامة X أمام جملتين من الجمل الآتية يكون معنى كل منها متفقا تماما مع هذا المثل " معظم النار من مستصغر الشرر" :

        - إهمال الصغائر يولد الكبائر. - لا دخان بغير نار.

        - لكل جوا كبوة.               - القطرة إلى القطرة بحر.

(3) ضع خطا تحت كلمتين من الكلمات الآتية تكون العلاقة بين معانيهما مثل العلاقة بين (العين والبصر) :

        الأذن - الشعر - أزرق - السمع - البحر - البحيرة.

(4) أكتب خمس كلمات تبدأ بالحرف ع وتنتهى بالحرف ف لأشياء مختلفة :

(5) أذكر ثلاثة مرادفات لكل من الكلمات الآتية :

                خشن - مرح - صديق.

والقدرة  اللغوية ضرورية للنجاح فى مهن وأعمال مختلفة، مثل التأليف والصحافة والخطابة والمحاماة. كما أنها لازمة بوجه خاص لمن يتولى قيادة المناقشات الجماعية بين العاملين والإدارة لحل مشكلات العمل أو اتخاذ قرارات أو عرض وجهات نظر جديدة.

2- القدرة الحسابية :

هى إجراء العمليات الحسابية فى سهولة وسرعة ودقة، وكذلك فى القدرة فى القدرة على إدراك ما بين الأعداد من علاقات وسرعة التفكير الحسابى ودقته بوجه عام. وللقدرة الحسابية اختبارات عديدة وبسيطة، مثل جمع ثلاث أعداد أو جمع عدديين وطرح عدد منهما أو ضرب وقسمة وخلافه، أو سلاسل الأعداد. أو على سبيل المثال ، كيف يمكننا الحصول على 7 لتر من الماء إذا كان المتاح لدينا فقط إناءين سعة الأول 4 لتر والثانى 9 لتر.  والقدرة الحسابية لازمة للنجاح فى مهن المحاسبة والإحصاء وتدريس الرياضة وكثير من الأعمال الكتابية...

3- القدرة الميكانيكية:

هى قدرة لازمة لكل من يدور عمله حول فهم الآلات وإداراتها وصيانتها وإصلاحها وحلها وتركيبها وإدراك العلاقات بين أجزائها. ,إلى جانب القدرة الميكانيكية "الذكاء الميكانيكى" قدرات متخصصة مختلفة أو عوامل نوعية منها :

3-1 عامل التصور البصرى: وهو القدرة على إدارة الأشكال - المسطحة والمجسمة - ثم فهمها وتصورها فى الذهن وما ينتج عنه بعد دورانها

أو تصور حركة الآلات والأجسام المختلفة أثناء هذه الحركة، وكيفية اختلاف أوضاع الدوران

3-2 عامل العلاقات المكانية: وهو القدرة على تقدير المسافات والأبعاد بدقة - الطول والعرض والارتفاع والعمق والسمك أو المساحة أو الحجم - وكذلك ملاحظة تشابه أو اختلاف الأشياء والمقارنة بين أشكالها وأوضاعها وحجمها، كما يبدو فى القدرة على تكوين شكل من أجزاءه المبعثرة. ومثال ذلك سائق السيارة يحتاج إلى قدر معين من هذا العامل، أيضا عامل الونش، وإلا أخطأ فى التقاط الأشياء أو وضعها وتسبب ذلك فى تلفها.

3-3  عامل المعلومات الميكانيكية: وهو عامل يتطلب أداء كثير من الأعمال الميكانيكية.

3-8 اختبارات الشخصية

تقاس سمات الشخصية عامة بثلاث طرق : المقابلة والاستخبار والاختبار، واختبارات الشخصية إما تكون لفظية أو موقفيه. وتتلخص الاختبارات اللفظية أساسا فى طرح عدة أسئلة يجيب عنها الفرد تحت الفحص، وبذلك تكون شبيهة بالاستخبارات فى شكلها ومزاياها وعيوبها. أما الاختبارات الموقفيه فهى التى تحاول وضع الفرد المفحوص فى موقف أو مشكلة تقترب إلى حد كبير من مواقف الحياة العملية ومشكلاتها.

هذا النوع من الاختبارات هو الطراز النموذجى لاختبارات الشخصية،  إذ من خلاله يستطيع الفرد تحت الفحص أن يتصرف تصرفا طبيعيا وهو يفصح عن مشاعره وعواطفه وسمات شخصيته المختلفة. وفى ميدان الصناعة  أقتصر تطبيق الاختبارات الموقفيه أول الأمر على قياس درجة التأثر الانفعالى لدى العاملين ، كأن يطلب من أحدهم مثلا أن يقوم باختبار حركى يتطلب الدقة والتآزر الحركى ، وفجأة تهوى الأرض تحت قدميه أو يباغت بأصوات عالية أو أضواء خاطفة مما يثير مشاعره بدرجات متفاوتة. وهكذا يمكن الكشف عن الأفراد الذى ينزعجون بسهولة من أثر الضوضاء أو الأخطار أو ضغط العمل.

وبما أن بعض الأفراد قد يفقدون مهارتهم وقدرتهم والسيطرة على الحكم فقدانا تاما فى مواقف الضغط الانفعالى المفاجئ ، لذا فإن اختبارات الانفعال ذات فائدة كبيرة فى الاختبار للمهن التى يحتمل أن يكون فيها هذا السلوك ضارا أو خطرا على الفرد ذاته أو على المحيطين به. ووضع الفرد المناسب للمهنة المناسبة فى هذه الحالة بلا شك يخفض من نسبه حوادث العمل المتوقعة، وبالتالى التكاليف النفسية والمادية التى تنتج من الحوادث.

من الصفات اللازمة لنجاح المدير أو الرئيس فى عملة، هى قدرته على أن يضع نفسه موضع مرءوسيه ، كما أنه من المحتم عليه أن يتقبل رؤية الأمور الكبيرة منها أو الصغيرة فى داخل المصنع أو الشركة، من جانبهم ومن خلال وجهات نظرهم المختلفة. وكذلك قدرته على الإحساس بمشاكلهم ومشاعرهم وشكواهم وطموحاتهم فى مجال العمل.

ومن أفضل السبل لتحقيق ذلك، هو قيام الرئيس أو المدير بالتدريب على تمثيل دور المرءوس دون تكلف، حتى يشعر بواقعية بمدى شعور الأفراد المرؤسين فى مثل تلك المواقف. أو بتمثيل موقف يعكس مشكلة من مشكلات العمل الواقعية، كمشكلة العامل الذى لا يستخدم أجهزة الوقاية من الحوادث أو العامل الذى ينصرف باستمرار قبل موعد الانصراف. على هذا النحو يستطيع الرئيس أو المدير أن يستشعر مشاعر الأفراد العاملين واتجاهاتهم النفسية ومشاكلهم،  بما يساعده على الاستبصار فى مشاعر الغير ومشاعره الخاصة ، فيزيد من تسامحه ورحابة صدره مما يؤدى إلى نشأه علاقات إنسانية أفضل.

3-9 الاختبارات السيكولوجية فى الصناعة

تستخدم الاختبارات فى الغالب لأغراض مختلفة من أهمها :

1- اختبار الأفراد والموظفين الجدد والراغبين فى العمل .

2- إعادة تعيين الأفراد أو الموظفين الذين أستبعدهم الاختبار ، أو الذين زادوا على حاجة العمل فى أعمال آخرى تناسبهم ، أى توزيعهم على أعمال جديدة مختلفة تناسب ظروفهم الفنية والنفسية وتضمن لهم الاستقرار والنجاح.

3- نقل العمال أو الموظفين من عمل إلى آخر.

4- ترقية بعض الأفراد العاملين إلى وظائف أعلى.

5- التقييم والحكم على صلاحية برامج التدريب.

6- التوجيه النفسى للأفراد العاملين وكذلك الموظفين غير المتوافقين مع العمل.

والاختبارات مفيدة فى نواحى متعددة مثل :

1- استبعاد غير الصالحين من المتقدمين لعمل من الأعمال .

2- تقليل تكاليف تدريب المستجدين لاختبار أقدر المتقدمين على التعلم .

3- تخفيف أثر المحاباة فى اختبار الأفراد العاملين والموظفين.

4- الاختبارات أداة نافعة لإصلاح ما تنطوى علية عملية الإدارة والأشراف على العمال من عيوب ، فالاختبارات أداة للتمييز بين القادرين المغمورين والضعفاء المحظوظين.

5- المساعدة فى الكشف عن ذوى الكفاءات الممتازة من العمال والموظفين.

6- التمييز بين الفشل الناشىء عن نقص طبيعى فى القدرات والاستعدادات، والفشل الذى يرجع إلى سمات شخصية ليس للفرد أى ذنب فيها.

ليست هناك تعليقات: